أثبتت العقارات قدرتها وجاذبيتها للمشترين الأثرياء في الاتحاد الأوروبي، مع ما تقدمه من تصريح إقامة وامتيازات ضريبية، إلا أن «دائماً الجميل لا يكتمل» كما يقول العرب، فأوروبا تقوم حالياً بتضييق الخناق على التأشيرات الذهبية، على خلفية التغيرات في سياسة الحكومات اليسارية، حيث أصبحت خطط الإقامة من خلال الاستثمار في أوروبا على المحك.
خطط الاستثمار العقاري تم إطلاقها قبل عقد من الزمن، لجذب المستثمرين الأثرياء من خارج الاتحاد الأوروبي، للمساعدة في تعزيز أسواق الإسكان الراكدة. لكن هذه المخططات، جنباً إلى جنب مع طفرة عصر الوباء، أدت إلى ارتفاعات هائلة في أسعار المنازل في بعض المناطق، مما أدى إلى امتعاض السكان المحليين، وفق تقرير لـ«الغارديان».
وأصبحت أسبانيا أحدث دولة في أوروبا تعلن أنها تحد، أو تغلق برنامج التأشيرة الذهبية الخاص بها. وجاء ذلك في أعقاب التغييرات، التي أجرتها البرتغال العام الماضي، وإنهاء مخططات هولندا والمملكة المتحدة وأيرلندا، بالإضافة إلى التعديلات الأخيرة على النموذج اليوناني.
وفي أسبانيا، تم تقديم هذا المخطط للمساعدة في التخلص من وفرة العقارات غير المباعة في أعقاب الانهيار العقاري العميق في البلاد. لكن المخطط كان فاشلاً، وفقاً لمارك ستاكلين، من موقع «سبانيش بروبرتي إنسايت».
وقال ستاكلين: «الفشل كان هذا بسبب الحد الأدنى للاستثمار، الذي كان يبلغ 500 ألف يورو (427 ألف جنيه إسترليني) – وهو نقطة دخول غير تنافسية نسبياً في ذلك الوقت (مقارنة بمخططات الدول الأخرى بحوالي 250 ألف يورو)، ولأن الحصول عليها كان بيروقراطياً بشكل لا يصدق».
ويضيف: «لقد تم تعديله لتسهيل الأمر، لكن الاستيعاب كان بمنزلة قطرة في محيط، مقارنة بعشرة آلاف عقار يتم شراؤها كل عام من قبل المشترين البريطانيين وحدهم دون تأشيرة».
وتظهر المصادر الرسمية أن %0.25 فقط من المعاملات العقارية في أسبانيا منذ عام 2016 (10186 من أكثر من 4.1 ملايين) تم استخدامها للحصول على التأشيرات الذهبية. وهذا يعادل %1.93 من المشتريات من المشترين الدوليين.
وكان القرار بإنهاء المخطط سياسياً بحتاً، حيث إن مشتري التأشيرة الذهبية ليسوا مضاربين على العقارات، بل حريصون على تحقيق ربح سريع ويريدون استثماراً طويل الأجل، وإذا باعوا العقار فإنهم يفقدون تأشيرتهم.
على الرغم من أن حاملي نظام التأشيرة الذهبية يحتاجون فقط إلى التواجد في أسبانيا لمدة يوم واحد في السنة لتجديد تأشيرتهم، فإن معظمهم عادة ما يقيمون لمدة تصل إلى ستة أشهر في السنة (يُسمح لهم بالعمل وإحضار عائلاتهم)، في وقت ارتفعت أسعار المنازل في أسبانيا في المتوسط بنسبة %4.2 في عام 2023، متحدية اتجاه منطقة اليورو.
ضغوط على المعروض
في الصيف الماضي، عدَّلت اليونان تأشيرتها الذهبية، مشيرة إلى ضغوط على المعروض من المساكن في مناطق معينة، إذ تم رفع الحد الأدنى للاستثمار المنخفض نسبياً من 250 ألف يورو إلى 500 ألف يورو في أثينا وثيسالونيكي، إلى جانب جزر ميكونوس وسانتوريني. وهذا الأسبوع، تم رفع العتبات مرة أخرى ــ إلى 800 ألف يورو في هذه المناطق، و400 ألف يورو في بقية أنحاء البلاد ــ للمشتريات المكتملة بعد هذا العام.
وتقول فيكي فاميداكي، محررة السياحة والسفر في موقع News247.gr: «تطالب العديد من أحزاب المعارضة الحكومة بإلغاء التأشيرة الذهبية بالكامل. كان ينبغي تنفيذ القواعد في أثينا منذ فترة طويلة، سواء بالنسبة لهذا السكن أو للإيجار القصير الأجل». وبموجب القواعد الجديدة، لن يُسمح لأصحاب التأشيرة الذهبية بإجراء إيجارات قصيرة الأجل.
تمديد الإقامة
منذ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، ازداد الاهتمام من المشترين في المملكة المتحدة، الذين يتطلعون إلى استخدام نظام التأشيرة لتمديد إقامتهم، حيث يُتوقع اندفاع آخر الآن بعد تشديد الإجراءات وقيام الدول الأوروبية بإغلاق صنابير التأشيرات الذهبية. لكن إمكانية العثور على منزل هذا الصيف قبل الموعد النهائي أمر مشكوك فيه، كما تقول تيا بيراكيس، من وكيل العقارات كريت هومز.
ووفقاً لبيانات وزارة الهجرة واللجوء، ارتفع عدد التأشيرات الذهبية اليونانية الممنوحة للمشترين في المملكة المتحدة بنسبة %77.8 إلى 370 بين يناير ونوفمبر 2023، وهو رقم أعلى بكثير من النسخة الأسبانية.
وتحفِّز التأشيرة الذهبية وتضخ رأس المال، الذي تشتد الحاجة إليه في الاقتصاد المحلي، مما يخلق فرص العمل ويحفز التنمية. ومع ذلك، طالما اقترح الاتحاد الأوروبي أن هذه المخططات تعزز الفساد والتهرب الضريبي وغسل الأموال، وفي محاولته للتوافق مع متطلبات الاتحاد الأوروبي للعضوية، أغلقت «الجبل الأسود» برنامج جنسيتها من خلال الاستثمار في عام 2022.
قبرص هي دولة أخرى قيَّدت قواعدها الليبرالية، بعد أن تم إنهاء مخطط جواز السفر الذهبي الخاص بها في عام 2020. ولديها مخطط يمكنك من خلاله الحصول على الإقامة من خلال الاستثمار – والذي يتطلب شراء منزل جديد بقيمة 300000 يورو، بالإضافة إلى ضريبة القيمة المضافة – مع القدرة على التقدم بطلب للحصول على الجنسية لاحقاً.
تفاقم أزمة الإسكان في المدن الكبرى
أغلقت البرتغال ذراعها الاستثمارية العقارية التأشيرة الذهبية هذا العام، بعد أن أدت إلى تفاقم أزمة الإسكان في المدن الكبرى، مما أدى إلى ارتفاع أسعار المنازل.
لكن تشارلز روبرتس، من وكيل فاين أند كانتري، يقول: «لقد أحدث المخطط دفعة كبيرة في صناعة البناء، وساعد في إحياء منطقة تشيادو في لشبونة، حيث لم يكن السكان المحليون حريصين على العيش فيها على الإطلاق، وكان مجرد موجة في سوق العقارات بأكملها. والآن يستثمر المشترون من خارج الاتحاد الأوروبي – وخاصة الأمريكيين – مبلغ 500 ألف يورو في صندوق رأس المال بدلاً من الحصول على التأشيرة».