تعتزم 25% من الشركات دول مجلس التعاون الخليجي استثمار أكثر من 25 مليون دولار في الذكاء الاصطناعي خلال 2025
كشف أحدث تقرير لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، عن أن “واحدة من بين كل ثلاث شركات عالمياً تُخطط لاستثمار نحو 25 مليون دولار أمريكي في مجال الذكاء الاصطناعي خلال العام الجاري، بينما تعتزم 25% من الشركات في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي ضخ استثمارات مماثلة في نفس المجال خلال 2025”.
وأظهر أحدث استبيان لمجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG)، ويطلق عليه، (رادار الذكاء الاصطناعي العالمي)، “AI Radar”، أن “الذكاء الاصطناعي لا يزال أولوية قصوى لقيادات الأعمال حول العالم خلال عام 2025، مع وجود تركيز قوي على تحقيق نتائج ملموسة من مبادرات الذكاء الاصطناعي، إذ يُسلّط الاستبيان، الذي شارك فيه 1803 من كبار المديرين التنفيذيين في 19 سوقاً حول العالم يمثلون 12 قطاعاً اقتصادياً، الضوء على حالة التفاؤل واسعة النطاق بشأن الإمكانات التي يوفرها الذكاء الاصطناعي، والتحديات الكبيرة التي تواجه تحقيق قيمته الكاملة.
الذكاء الاصطناعي أداة للإنتاجية والابتكار
تركّز الشركات الرائدة في دول مجلس التعاون الخليجي استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي على أولويتين استراتيجيتين: الأولى هي إعادة هيكلة الوظائف الأساسية للأعمال، والثانية هي ابتكار نماذج أعمال جديدة كلياً قائمة على الذكاء الاصطناعي. حيث يشمل ذلك تحسين كفاءة العمليات التشغيلية الحالية وتحويلها لرفع مستوى الكفاءة، وتطوير نماذج أعمال مُبتكرة جديدة تُمكّن من تقديم خدمات ومنتجات لم تكن مُتاحة قبل الذكاء الاصطناعي.
وتنعكس هذه الاستراتيجية في خطط 81% من شركات دول مجلس التعاون الخليجي التي تعتزم زيادة استثماراتها في مجال التكنولوجيا خلال عام 2025، حيث تُصنف 72% من هذه الشركات الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن أهم ثلاث أولويات استراتيجية. وعلى مستوى الدول، يُصنّف 88% من المديرين التنفيذيين في قطر، و72% منهم في الإمارات العربية المتحدة، و69% منهم في المملكة العربية السعودية الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي ضمن أهم ثلاث أولويات استراتيجية، مُقارنةً بمتوسط عالمي يبلغ 73%.
ويتوقع 66% من المديرين التنفيذيين في دول مجلس التعاون الخليجي، أن يعزز الذكاء الاصطناعي الإنتاجية، ومع ذلك، فقد اتفقوا على أهمية الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لضمان جاهزية الكفاءات الحالية في القوى العاملة لتلبية متطلبات الذكاء الاصطناعي. وبشكل عام، تُعتبر هذه النظرة الإيجابية للاحتفاظ بالقوى العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي والشرق الأوسط من النتائج الرئيسية للاستبيان، حيث يتوقع 7% فقط من المديرين التنفيذيين في منطقة الشرق الأوسط تراجعاً في أعداد الموظفين بسبب أتمتة الذكاء الاصطناعي، وهي نسبة أقل من المتوسط العالمي البالغ 8%.
كما تُركز جهود دول مجلس التعاون الخليجي على التطبيقات العملية للذكاء الاصطناعي بدلاً من التجارب المحدودة. ولتطبيق ناجح للذكاء الاصطناعي، تتبنى المؤسسات في هذه المنطقة بشكل متزايد “قاعدة 10-20-70″، وهي إطار عمل مُثبت لإيجاد قيمة الذكاء الاصطناعي. وتُخصص هذه المؤسسات 10% من جهودها لتطوير الخوارزميات، و20% لتطوير البيانات والتكنولوجيا، و70% للأفراد والعمليات التشغيلية والتحول الثقافي. ويُؤكد هذا التوازن الاستراتيجي أن نجاح الذكاء الاصطناعي لا يعتمد على التكنولوجيا وحدها، بل يتطلب أيضاً تغييرات تنظيمية وثقافية. ويظهر هذا الالتزام بوضوح في دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث قامت 27% من المؤسسات بالفعل بتدريب أكثر من ربع كوادرها البشرية على أدوات الذكاء الاصطناعي، ما يرسخ مكانة دولة الإمارات العربية المتحدة في ريادة تطوير الموارد البشرية العاملة في مجال الذكاء الاصطناعي في المنطقة، وهو النهج التدريبي الشامل الذي يمثل نموذجاً ناجحاً تسعى دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى إلى اعتماده، إدراكاً منها لأهمية تطوير مهارات الموظفين لتعظيم إمكانات الذكاء الاصطناعي.
نهج متوازن للتعامل مع مخاطر الذكاء الاصطناعي
ورغم المكانة الريادية لدول مجلس التعاون الخليجي في تبني الذكاء الاصطناعي، فإن المسؤولين التنفيذيين في المنطقة يدركون تماماً التحديات المُتعلقة بتوسيع نطاق هذه التقنية، حيث تمثل خصوصية وأمن البيانات، وصعوبة التحكم في قرارات الذكاء الاصطناعي، والتحديات التنظيمية، أبرز مخاوف المسؤولين التنفيذيين في المنطقة، بما يتناغم بشكل وثيق مع التصورات العالمية للمخاطر. وتُعد معالجة هذه المخاوف أمراً مهماً لضمان تبني الذكاء الاصطناعي عمليًا وأخلاقيًا.
وفي هذا السياق، قال روبرت شو، مدير مفوض وشريك في BCG X: “نشهد تحولاً جذرياً في طريقة تعامل المؤسسات الخليجية مع الذكاء الاصطناعي. فالأمر لم يعد يقتصر على التطبيقات الانتقائية، بل أصبح هناك فهم واضح بضرورة دمج الذكاء الاصطناعي في كافة الأدوار والعمليات. كما أن تركيز المنطقة على التدريب يتجاوز مجرد تبني التكنولوجيا، بل يتمثل في إعداد القوى العاملة القادرة على المحافظة على تنافسيتها في سوق العمل المُتغيّر.”
استثمارات الذكاء الاصطناعي والذكاء الاصطناعي التوليدي في دول مجلس التعاون الخليجي
لضمان تحقيق أقصى عائد من استثماراتها في مجال الذكاء الاصطناعي، تنتقل المؤسسات الخليجية الرائدة من مجرد الاستحواذ على التقنيات إلى التركيز على إيجاد قيمة استراتيجية حقيقية. ويعكس هذا التطور نهجاً ناضجاً للتحول الرقمي في جميع أنحاء المنطقة، حيث تتبنى هذه المؤسسات استراتيجية متقدمة تعتمد على ثلاثة محاور هي، أولاً: استخدام الذكاء الاصطناعي لتحسين الإنتاجية في العمليات اليومية بشكل فوري، ثانياً: إعادة هيكلة الوظائف الأساسية للأعمال لتحسين مستوى الكفاءة، ثالثاً: تطوير نماذج أعمال جديدة قائمة على الذكاء الاصطناعي لتحقيق مزايا تنافسية مستدامة.
ويتطلب هذا النهج قيادةً تنفيذيةً تتجاوز التفكير التقليدي. حيث إن القيادات التنفيذية في دول مجلس التعاون الخليجي الذين يرون الأثر الأكبر هم أولئك الذين يعيدون تصور نماذج التشغيل بأكملها بدلاً من رقمنة العمليات الحالية. فهم يركزون مواردهم على فرص تحويلية محدّدة بدلاً من توزيع الاستثمارات بشكل متناثر على مشاريع متعددة، ويديرون تطبيق الذكاء الاصطناعي كنوع من التحول الشامل للأعمال بدلاً من كونه مبادرة تكنولوجية.
وتُدرك المؤسسات الأكثر ابتكاراً في المنطقة أن نجاح الذكاء الاصطناعي يعتمد على الدمج بين القدرة التكنولوجية وجاهزية المؤسسة. ومن خلال التركيز بشكل متساوٍ على بنية النظام، واستراتيجية البيانات، والعوامل البشرية مثل تحسين المهارات والتكيف الثقافي، تُرسي هذه الشركات أساساً لميزة تنافسية مُستدامة ضمن اقتصاد عالمي يعتمد بشكل متزايد على الذكاء الاصطناعي.
من جانبه، أوضح الدكتور لارس ليتيج، مدير مفوض وشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب (BCG) : “بينما تتجه العديد من مناطق العالم نحو تجارب قصيرة الأمد مع الذكاء الاصطناعي، تتبنى دول مجلس التعاون الخليجي رؤية طويلة الأمد. فالمستويات الاستثنائية من الاستثمارات التي نشهدها حالياً لا تهدف فقط لتحقيق مكاسب سريعة، بل تعكس فهماً عميقاً بأن التأثير الاقتصادي والاجتماعي الحقيقي للذكاء الاصطناعي سيظهر على المدى الطويل. ويميّز هذا النهج الاستراتيجي لتطوير التكنولوجيا والمهارات المنطقة ويمنحها ميزة تنافسية مُستدامة.”